مجتمع

الواد الهرهوري أم السكوتي؟ حين تصرخ الحكمة المغربية: احذر الماء الهادئ أكثر من الصاخب!

دابا ماروك

المقولة الشعبية المغربية “دوز على الواد الهرهوري ولا دوز على الواد السكوتي” تحمل في طياتها حكمة عميقة مستمدة من التجارب الحياتية والملاحظة الدقيقة للسلوكات البشرية والطبيعة. لفهم هذه المقولة بشكل أعمق، يجب تحليل رموزها ومعانيها الظاهرة والباطنة:

التحليل اللفظي والمعنوي:

  1. الواد الهرهوري:
    • يشير إلى نهر أو مجرى ماء يُسمع له خرير وصخب قوي.
    • المعنى المجازي: يُمثل الأشخاص أو المواقف التي تظهر بوضوح خطرها أو صعوبتها. هؤلاء الأشخاص غالبًا صريحون وواضحون، وقد يكونون صاخبين، لكن ما يميزهم هو أنك تعرف أين تقف معهم، مما يسمح لك بالتعامل معهم مباشرة وبدون مفاجآت.
  2. الواد السكوتي:
    • يشير إلى نهر هادئ يبدو سطحه ساكنًا، لكنه يخفي تيارات قوية وخطيرة.
    • المعنى المجازي: يُمثل الأشخاص أو المواقف التي تبدو بريئة وآمنة، لكنها تخفي خلفها مخاطر خفية وغير متوقعة. هذا النوع من المواقف والأشخاص يصعب التنبؤ به، مما يجعله أكثر خطورة.
  3. الدرس المستفاد:
    • المقولة توصي بتفضيل التعامل مع الخطر الظاهر (الواد الهرهوري) بدلاً من الخطر المستتر (الواد السكوتي). الوضوح، حتى لو كان قاسيًا، أسهل في المواجهة من الغدر أو المفاجآت غير المتوقعة.

الأبعاد الاجتماعية للمقولة:

  1. في العلاقات الإنسانية:
    • المقولة تعكس حكمة التعامل مع الناس في الحياة اليومية. يُفضل التعامل مع الشخص الصريح، حتى لو كان شديد النقد أو مباشرًا في قوله وفِعله، على التعامل مع شخص هادئ يخفي نواياه الحقيقية.
    • تعبر عن أن الهدوء الظاهري قد يكون مضللًا، وقد يحمل خلفه نوايا سيئة أو مؤامرات خفية.
  2. في القرارات والمواقف:
    • في العمل أو الحياة الشخصية، تُظهر هذه المقولة أهمية تحليل المواقف الظاهرة والمخفية. الموقف الواضح، مهما كان صعبًا، يتيح لك وضع استراتيجية للتعامل معه، في حين أن الموقف الغامض قد يسبب مشاكل أكبر لأنه لا يُظهر كل جوانبه.
  3. البيئة والثقافة المغربية:
    • نشأت هذه الحكمة من بيئة تتعامل فيها المجتمعات مع الطبيعة بشكل مباشر (مثل الأنهار)، حيث تتطلب الملاحظة الدقيقة للظواهر الطبيعية تحليلاً عميقًا يمكن تطبيقه على الحياة اليومية.
    • المجتمع المغربي، بحكم ارتباطه بالتقاليد الشفهية، بارع في تحويل التجارب المعيشية إلى دروس عملية تُجسدها الأمثال الشعبية.

المقارنة بين الخطر الظاهر والمستتر:

الواد الهرهوري

الواد السكوتي

صاخب وواضح

هادئ ومخادع

يمكن الاستعداد له

يفاجئك دون إنذار

لا يسبب خيانة

قد يؤدي إلى الغدر أو الأذى

حكمة المقولة في العصر الحديث:

  1. في التكنولوجيا والإعلام:
    • مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، تُذكّرنا هذه المقولة بالتمييز بين الأشخاص الذين يعبرون عن آرائهم بوضوح (حتى لو كانت مزعجة)، والأشخاص الذين يظهرون بصورة بريئة لكنهم قد يروجون لأجندات خفية.
  2. في السياسة والقيادة:
    • تُطبق هذه الحكمة على القادة والمواقف السياسية. القائد الصريح، رغم صعوبة قراراته، أكثر أمانًا من القائد الذي يخفي نواياه أو يقدم وعودًا لا يُظهر حقيقتها.
  3. في العلاقات المهنية:
    • زميل أو رئيس عمل “صريح وواضح” قد يبدو قاسيًا، لكنه أكثر قابلية للتعامل مقارنة بشخص يظهر لك وجهًا لطيفًا لكنه يخفي نواياه السلبية.

الخلاصة:

المقولة المغربية “دوز على الواد الهرهوري ولا دوز على الواد السكوتي” هي تعبير عن حكمة حياتية عميقة تدعو إلى تفضيل الصراحة، مهما كانت صعبة أو مزعجة، على الهدوء أو الوداعة المخادعة. إنها رسالة للحذر من المظاهر الهادئة التي تخفي خلفها أخطارًا أكبر، وتعلمنا أهمية التمييز بين المخاطر الواضحة والمخاطر الخفية، سواء في العلاقات الشخصية أو في التعامل مع العالم من حولنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى