صرخة المتقاعدين: بين معاشات الفتات وأحلام الكرامة الضائعة!
دابا ماروك
في مشهد يكاد يُنافس في دراميته مسرحيات التراجيديا الإغريقية، وقف متقاعدون مغاربة يرفعون أصواتهم بألم أشبه بالبكاء مكتوم، احتجاجًا على تجاهل حكومي طالما وصفوه بـ”الصم والبكم”. هؤلاء الأبطال المغمورون، الذين يتقاضى بعضهم معاشات تتراوح بين 1000 و1500 درهم، قرروا تصعيد الأمور أخيرًا بخطوة نارية: وقفة احتجاجية يوم السبت المقبل! نعم، وقفة واحدة قادرة، كما يعتقدون، على زلزلة الأرض تحت أقدام الحكومة، أو على الأقل إحداث خدش صغير في قشرة الصمت السميك.
في ندوة صحفية بالرباط، جددت الشبكة المغربية لهيئات المتقاعدين اليوم تذكير الجميع – من الحكومة إلى العابرين صدفة في المكان – بحجم المعاناة المُلتهبة. تحدثوا عن معاشاتهم المتجمدة منذ ربع قرن، كأنها مومياءات منسية، وعن تكلفة العيش التي ارتفعت بنسبة 400 %، وكأن الحياة في المغرب تحولت إلى “لعبة فيديو” بمستوى صعوبة لا يُطاق. وبالرغم من هذا الواقع العبثي، فإنهم يواصلون رفع مطالبهم، وإن بدا الأمر أشبه بمناجاة لتماثيل حجرية.
أما حين يقارنون أوضاعهم بزملائهم في الدول المتقدمة، فتبدأ حكاية السخرية الكبرى. هناك، المتقاعد يعيش كالملوك: تخفيضات في التسوق والتنقل والأدوية، ومعاشات تتيح السفر حول العالم، وأعمار تصل إلى 80 عامًا. بينما هنا، يبدو وكأن المتقاعد المغربي يُعاقب على بلوغه هذا العمر أصلًا، فلا امتيازات، ولا كرامة، فقط نضال يومي من أجل البقاء حتى السبعين بصعوبة.
ولأن الكوميديا لا تكتمل بدون حبكة فساد، فقد رفض المتقاعدون فكرة دمج الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي دون “تحقيق شامل”. فهم لا يطلبون المستحيل، فقط “ربط المسؤولية بالمحاسبة”. حلم صغير بسيط، أليس كذلك؟
في النهاية، وسط إحساسهم العميق بـ”الخيانة الوطنية”، و”الإقصاء الممنهج”، و”العيش على الفتات”، يشددون على أن احتجاجهم سيستمر “حتى النهاية”. النهاية التي، على ما يبدو، قد تكون أقرب منهم إلى تحقيق أي مطلب.