سياسة

التحالفات السياسية في المغرب: تباين في المصالح أم صراع من أجل السلطة؟

دابا ماروك

في السنوات الأخيرة، أصبح من الصعب فهم آلية التحالفات السياسية في المغرب، سواء على مستوى تشكيل الحكومة أو في مجالس الجماعات الترابية. فالمشهد السياسي يُظهر تناقضًا واضحًا بين تشكيل الحكومة والتحالفات التي تُبنى في المجالس المحلية والجماعات الترابية. لا تكاد تمر فترة دون أن نرى أحزابًا كانت قد تحالفت في الحكومة تتنصل من هذه التحالفات في المجالس المحلية، بل أحيانًا تنقلب التحالفات رأسًا على عقب. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل المصالح السياسية هي التي تفرض هذا التناقض في التحالفات؟ أم أن الصراع على السلطة والتنافس من أجل المكاسب الحزبية هو العامل المحرك؟

  1. التحالفات في تشكيل الحكومة: محاكاة للواقع السياسي؟

تشكيل الحكومة في المغرب يتطلب تحالفات بين مختلف الأحزاب السياسية التي حصلت على تمثيل في البرلمان. هذه التحالفات، على الرغم من أنها تتم غالبًا في إطار مصلحة تحقيق أغلبية سياسية مستقرة، إلا أن الصورة التي تظهر من وراء الكواليس تتكهن بتعقيداتها. حيث تشارك أحزاب قد تكون على تناقض فكري أو سياسي، فقط لأن الحاجة إلى تحقيق أغلبية برلمانية تفرض ذلك.

  • المصالح الحزبية العليا: التحالفات في الحكومة تُصاغ بناء على المصالح الحزبية، وليس بالضرورة على أساس التوافق الفكري أو السياسي. فالأحزاب تبحث عن تحقيق مكاسب انتخابية أو حكومية، مثل الحقائب الوزارية أو امتيازات أخرى، والتي تجعلها توافق على التعاون مع خصومها السابقين.
  • التنازلات السياسية: في كثير من الأحيان، تقوم الأحزاب بتقديم تنازلات سياسية كبيرة لتحقيق هذا التوازن الهش. هذه التنازلات تُفقد التحالفات مصداقيتها، إذ تصبح الشراكة مبنية على مصالح عابرة وليس على رؤية موحدة.
  1. التحالفات في المجالس الجماعية: هل تختلف الخلفيات؟

عندما ينتقل الحديث إلى مستوى المجالس الجماعية أو الترابية، تظهر صورة مختلفة تمامًا. فهناك أمثلة عديدة لأحزاب كانت قد تحالفت في الحكومة، ثم تجدها تنقلب على بعضها البعض في المجالس المحلية. هذه التحالفات التي تظهر في المجالس المحلية غالبًا ما تكون أكثر واقعية من الناحية المحلية، حيث تُؤثر المصلحة المحلية وخصوصيات كل منطقة على طبيعة التحالفات.

  • التنافس المحلي على السلطة: في الجماعات المحلية، قد يجد قادة الأحزاب أنفسهم في موقف يتطلب التحالف مع خصوم سياسيين على المستوى الوطني لتحقيق مصالح محلية، مثل الحصول على مشاريع تنموية أو منصب رئيس جماعة. لذا قد يكون التحالف مع “الشيطان” في نظر البعض أكثر واقعية لتحقيق مكاسب على الأرض.
  • تحالفات صعبة الفهم: هذه التحالفات تخلق نوعًا من التناقض بين الخطاب السياسي للأحزاب والممارسات الفعلية على أرض الواقع. فالأحزاب التي كانت قد خاضت الانتخابات البرلمانية بتوجهات أيديولوجية محددة قد تجد نفسها في تحالفات مع أحزاب أخرى لا تتفق معها في كثير من القضايا السياسية، لكن التنافس المحلي يفرض هذا التعاون.
  1. هل المصالح تفرض التحالف مع الجميع؟

قد يُفهم هذا الوضع على أنه نتيجة لصراع المصالح على حساب المبادئ. في المغرب، كما في العديد من الدول، تُظهر التحالفات السياسية في الغالب أن المصالح الحزبية تتفوق على المبادئ الأيديولوجية. ويُطرح التساؤل، هل أصبحت السياسة في المغرب تتطلب التحالف مع أي طرف بغض النظر عن المواقف السياسية أو الفكرية؟ أحيانًا يبدو وكأن الأحزاب مستعدة للتحالف حتى مع من كانوا خصومًا في الماضي، إذا كانت هذه التحالفات ستساعدهم على الفوز بالمقاعد أو الحصول على السلطة.

  • التحالف مع “الشيطان“: تعبير “التحالف مع الشيطان” في هذا السياق قد يعكس الواقع السياسي المعقد، حيث تتشكل التحالفات بغض النظر عن التوجهات السياسية أو الأخلاقية للأطراف المتحالفة. هذه التحالفات يمكن أن تظهر كتحالفات انتهازية، حيث يتم تجاوز الخطوط الحمراء الفكرية لأسباب عملية، مما يجعل السياسيين يبدو وكأنهم يبيعون مواقفهم من أجل المناصب والمكاسب.
  1. آثار التحالفات المتناقضة على المشهد السياسي المغربي
  • فقدان الثقة الشعبية: من أكبر الآثار السلبية لهذه التحالفات المتناقضة هو فقدان ثقة الناخبين في الأحزاب السياسية. المواطن المغربي يلاحظ هذا التناقض بين الشعارات الانتخابية والأفعال السياسية التي تحدث على الأرض. عندما يرى المواطنون أن الأحزاب تتنازل عن مبادئها من أجل المصلحة الخاصة، يتساءلون عن مصداقية العملية السياسية برمتها.
  • تعميق الفجوة السياسية: هذه التحالفات المتناقضة تُسهم أيضًا في تعميق الفجوة بين الأحزاب السياسية والشعب. فكلما كانت التحالفات غير مبدئية، زادت الهوة بين الطبقات السياسية والشعب، مما يُضعف المشاركة السياسية ويزيد من مشاعر اللامبالاة وعدم الثقة في النظام السياسي.
  1. كيف يمكن إعادة التوازن إلى التحالفات السياسية؟

من أجل استعادة مصداقية التحالفات السياسية في المغرب، لا بد من إعادة النظر في بعض الأسس:

  • التوافق الأيديولوجي: ينبغي أن تتم التحالفات بناءً على توافقات أيديولوجية واضحة، بحيث تكون الأحزاب المتحالفة متفقة في الأهداف والمبادئ الأساسية.
  • إصلاح النظام الانتخابي: تحسين النظام الانتخابي قد يساهم في تقليل الحاجة إلى التحالفات الواسعة التي تُفرض تحت ضغط الحصول على أغلبية برلمانية. يمكن أن يسهم ذلك في تحفيز الأحزاب على تبني تحالفات أكثر واقعية وأكثر اتساقًا مع توجهاتها.
  • زيادة الشفافية والمحاسبة: على الأحزاب أن تكون أكثر شفافية في تعاطيها مع التحالفات، وأن تكون مسؤولة أمام الناخبين عن قراراتها في تشكيل الحكومة أو المجالس المحلية.

الخلاصة

التحالفات السياسية في المغرب، سواء في تشكيل الحكومة أو في المجالس الجماعية، تظل محكومة بالمصالح الحزبية الضيقة أحيانًا أكثر من المبادئ السياسية أو الأيديولوجية. هذا التناقض في التحالفات يثير تساؤلات حول مصداقية الأحزاب، ويؤدي إلى تعميق الفجوة بين الأحزاب والشعب. في النهاية، قد تظل السياسة محكومة بالصراع على السلطة والمكاسب، ولكن من الضروري أن يتبنى النظام السياسي إصلاحات تُعيد للسياسة مصداقيتها وتُساهم في بناء تحالفات تقوم على أسس أيديولوجية وتوافقية حقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى