حقوق المواطن المغربي أمام تقصير الجماعات الترابية: من الإهمال إلى التعويض
دابا ماروك
قليلون من يعرفون حقوقهم القانونية، وأقل منهم من يسعى لتفعيل هذه الحقوق ضد الجهات المسؤولة عن الإهمال أو التقصير، رغم أن القانون المغربي يضمن للمواطنين حق رفع دعاوى قضائية ضد الجماعات الترابية عند حدوث أضرار نتيجة لعدم الوفاء بواجباتها. سواء تعلق الأمر بحادثة سقوط في حفرة بأحد شوارع أو أزقة المدينة، أو إصابة بسبب هجوم كلاب ضالة، فإن المواطن المغربي يمتلك سندًا قانونيًا يتيح له المطالبة بتعويض عادل عن الأضرار التي تعرض لها.
هذا الحق، الذي قد يبدو للبعض غير متاح، يعتمد على نصوص قانونية صريحة مثل الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، والذي يُلزم الجماعات الترابية بالحفاظ على سلامة المنشآت العامة، والفصل 48 من القانون 78.00، الذي يُلزم بإخطار الجماعة مسبقًا قبل رفع الدعوى.
في ظل تزايد الحوادث اليومية التي تعكس ضعف تدبير بعض الجماعات الترابية، أصبح من الضروري تسليط الضوء على هذه الحقوق القانونية وإيصالها إلى المواطنين الذين غالبًا ما يجهلون إمكانياتهم القانونية في مواجهة الإهمال أو التسيب.
الحالات الشائعة لرفع دعاوى ضد الجماعات الترابية
- حوادث بسبب البنية التحتية:
- سقوط الأشخاص أو المركبات في الحفر بالشوارع.
- انهيار الأرصفة أو التسربات المائية نتيجة سوء صيانة المرافق العامة.
- في هذه الحالات، تعتمد المسؤولية القانونية على الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، الذي يلزم الدولة والجماعات الترابية بضمان الأمان في المنشآت التي تشرف عليها.
- إصابات بسبب الكلاب الضالة:
- هجمات الكلاب الضالة التي تسبب إصابات جسدية أو نفسية.
- يُعتبر المجلس الجماعي مسؤولاً وفقًا لدوره في الحفاظ على الصحة والسلامة العامة.
- الأضرار الناتجة عن سوء تدبير المرافق:
- حرائق أو فيضانات نتيجة الإهمال في إدارة المنشآت العامة.
- أضرار ناتجة عن سقوط الأشجار المهملة أو عدم معالجة الأضرار الطبيعية في الوقت المناسب.
الإجراءات اللازمة لرفع الدعوى
لضمان قبول الدعوى، يجب احترام القوانين والمسطرة القضائية، والتي تشمل ما يلي:
1. تقديم شكوى مسبقة للجماعة:
- ينص الفصل 48 من القانون 78.00 على ضرورة إبلاغ الجماعة بشكل رسمي وتقديم شكوى كتابية تشمل تفاصيل الحادث أو الضرر.
- يجب أن يتم ذلك قبل التوجه إلى القضاء، مع تقديم الدلائل التي تثبت تقصير الجماعة.
2. اللجوء إلى القضاء الإداري:
- المحاكم الإدارية هي المختصة بالنظر في الدعاوى المتعلقة بالجماعات الترابية، ويجب تقديم الدعوى وفقًا للإجراءات المحددة في القانون 41.90.
3. إثبات العلاقة السببية:
- يتطلب القانون أن يثبت المدعي العلاقة بين الضرر الذي أصابه وبين تقصير الجماعة الترابية في أداء واجبها.
4. تعيين محامٍ مختص:
- من المستحسن الاستعانة بمحامٍ متمرس في القضايا الإدارية لضمان تقديم الملف بشكل قانوني ومتوافق مع الإجراءات.
التحديات والخصوصيات القانونية
- التمييز بين أنواع الجماعات الترابية:
- بعض الجماعات، مثل الجماعات ذات نظام المقاطعات (كالدار البيضاء والرباط)، لا تملك شخصية اعتبارية، مما قد يؤثر على قبول الدعوى ضدها
- الآجال القانونية:
- يجب احترام الآجال المحددة في تقديم الشكاوى والدعاوى لضمان عدم رفض الملف شكليًا.
- تعقيدات قانونية في تحديد المسؤوليات:
- في بعض الحالات، قد تكون المسؤولية مشتركة بين الجماعة الترابية وشركات المناولة التي تُدير بعض المرافق نيابة عنها.
أمثلة واقعية
- حالات رفعت فيها دعوى ضد جماعات بسبب الحفر التي تسببت في أضرار جسيمة للمواطنين.
- قضايا تعويض مرتبطة بالعض من الكلاب الضالة، وقد حكمت المحاكم الإدارية في بعض الحالات بتعويضات للمتضررين.
خلاصة
المواطنون المتضررون من تقصير الجماعات الترابية في أداء واجباتها يملكون الحق القانوني في المطالبة بالتعويض عن طريق المحاكم الإدارية. لكن، يتطلب النجاح في هذه الدعاوى احترام الإجراءات القانونية بشكل دقيق والاستعانة بمحترفين قانونيين لضمان تحقيق العدالة.
في النهاية، يبقى الوعي بالحقوق القانونية وتفعيلها من أهم وسائل تحقيق العدالة ومساءلة الجهات المسؤولة عن التقصير. المواطن المغربي ليس فقط مستهلكًا للخدمات التي توفرها الجماعات الترابية، بل هو طرف فاعل وشريك في تحسين جودة هذه الخدمات من خلال استخدام الأدوات القانونية المتاحة لضمان المساءلة.
رفع دعوى ضد الجماعات الترابية لا يُعتبر مجرد وسيلة لاسترداد تعويض مالي عن الأضرار فحسب، بل هو رسالة قوية بضرورة تحسين الأداء الإداري وحماية المواطنين من نتائج الإهمال. هذا المسار قد يتطلب وقتًا وجهدًا، لكنه يساهم في ترسيخ مبادئ دولة الحق والقانون.
من المهم أن تتضافر جهود المواطنين، المجتمع المدني، والمحامين في نشر ثقافة المطالبة بالحقوق وشرح الإجراءات القانونية، خاصة في ظل تزايد الحوادث المرتبطة بسوء تدبير المرافق العامة. تحقيق العدالة يبدأ بمعرفة الحقوق، والمطالبة بها، والسعي إلى تفعيلها على أرض الواقع.