مجتمع

هل يمتلك كبار المرتشين والفاسدين ضميراً؟

دابا ماروك

إن أحد الأسئلة التي تشغل بالنا هو: هل هؤلاء الذين يجلسون على قمة هرم الفساد، من المرتشين والفاسدين وبائعي المناصب، يمتلكون ضميراً؟ يبدو أن إجابة هذا السؤال تتباين بين الأفراد، لكن الواقع يكشف لنا أن الفساد يُؤدي إلى تغييرات جذرية في نظرة الشخص إلى ذاته والعالم من حوله. هؤلاء الذين يعيثون في الأرض فساداً يتباهون بنفوذهم وأموالهم، دون أدنى شعور بالذنب أو الندم.

التباهي بمظاهر الفساد:

ما هو أكثر لفتاً للنظر هو أن هؤلاء الفاسدين لا يقتصرون فقط على العيش في رفاهية غير مشروعة، بل يفاخرون بها علناً. في المطاعم الفاخرة، يجلسون مع الأغنياء والمشاهير، يتباهون بطعامهم الباهظ وثيابهم المتأنقة والموقعة. أما السيارات الفاخرة، فهي بمثابة شعارٍ لموقعهم في المجتمع، إذ يتنافسون على اقتناء آخر موديلات السيارات، بينما يمرّ المواطنون العاديون في فقرٍ مدقع. يجمعون الثروات من صفقات مشبوهة، ويستثمرون الأموال التي أُخذت بطرق غير قانونية، وكل هذا وهم يعيشون في قصور مزخرفة تتباهى بخيرات شعبٍ بكامله، بينما ينام هؤلاء في هدوءٍ وراحة ضمير غائب.

على سبيل المثال، نرى بعض السياسيين ورجال الأعمال الذين تسلط عليهم الأضواء يتباهون بمشاريعهم الفخمة، في حين أن تاريخهم مليء بالفضائح والتهم. من هؤلاء الذين يرفعون شعارات مكافحة الفساد وهم في الواقع لا يفكرون إلا في جني الأرباح على حساب الفقراء والمستضعفين.

العيش بلا ضمير:

إن هؤلاء الأشخاص، وهم ينعمون بحياةٍ مليئة بالترف، يُظهرون انعداماً تاماً للضمير. لا يقيمون وزناً لآلام الآخرين ولا يعيرون اهتماماً لضرورات المجتمع الذي يعيشون فيه. إنهم يخدمون أنفسهم فقط، ويجعلون من الفساد وسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية. ومع كل ما يملكونه من أموال، يظلّون متعطشين للمزيد، متجاهلين حقيقة أن هذه الأموال قد أُخذت بطرق غير قانونية، من خلال صفقات فاسدة أو رشاوى أو استغلال لمناصبهم.

ومثال آخر على ذلك هو الفساد الإداري الذي تعيشه بعض الدول ومنها المغرب طبعا. حيث تُسلَّم المناصب العليا بناءً على علاقات شخصية أو رشوة، بدلاً من استحقاق الكفاءة. وفي هذا السياق، تزداد معاناة المواطنين العاديين، بينما يواصل الفاسدون حياتهم الفاخرة، تماماً كما لو أن شيئاً لم يكن. ولعلَّ أكثر ما يثير الاستغراب هو تلك القدرة على عيش حياة هادئة، رغم أن أموالهم تُمَثِّل جزءاً من معاناة ملايين البشر.

الخوف من الاعتراف بالفساد:

في المقابل، هناك نوع آخر من الفاسدين، الذين لا يتباهون بفسادهم ولكنهم يخشون من أي كشف يتعلق به. هؤلاء غالباً ما يتخذون من الكتمان سبيلاً، ويعيشون في حالة من الخوف من أن يظهر أحدهم في لحظة ضعف. قد يكون هذا الخوف نتيجةً لتهديدات قانونية أو اجتماعية، أو ببساطة لأنهم يدركون أن الفساد قد يفضحهم في لحظة. ورغم خوفهم، فإن هذا لا يمنعهم من الاستمرار في ممارساتهم الفاسدة.

على سبيل المثال، هناك مسؤولون يرفضون التحدث علنياً عن الفساد الذي قد يكونوا جزءاً منه، لكنهم يواصلون استغلال منصاتهم لتحقيق مكاسب شخصية. يخشون من تسريب معلومات قد تكشف عن حقيقة فسادهم، ورغم هذا يظل الخوف من الملاحقة القضائية أو فقدان السلطة يمنعهم من الاعتراف علانية، مما يعكس عمق أزمة الضمير لديهم.

خلاصة:

في النهاية، تظل المسألة مرتبطة بفقدان الوازع الأخلاقي. فعندما يضيع الضمير، يصبح المال هو المعيار الوحيد، بغض النظر عن الوسائل التي جُلب بها. لا يقتصر الأمر على هؤلاء الذين يتباهون، بل يشمل أيضًا من يخفون فسادهم، فكلاهما يعيش في عالمٍ بعيد عن القيم والمبادئ. إن هذه الحالات تؤكد أن الضمير الإنساني ليس فقط قدرة على التمييز بين الخير والشر، بل هو أساس الاستقامة والنزاهة في كل الأبعاد الحياتية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى