مجتمع

مناصب للبيع: كيف يشتري المال والنفوذ السلطة في المغرب؟

دابا ماروك

في المجتمع المغربي، كما في العديد من البلدان الأخرى، تلعب العلاقات الشخصية والنفوذ الاقتصادي والسياسي دورًا كبيرًا في تحديد من يعتلي المناصب العليا في الدولة. تتعدد الأشكال التي يتخذها شراء المناصب، من الوساطة والمحسوبية إلى دفع الرشاوى أو حتى استخدام القوة الاقتصادية للحصول على ما هو غير مستحق. هذه الظاهرة تسلط الضوء على مشاكل أساسية في هيكلية الدولة المغربية، خاصة في ظل منظومة قانونية وإدارية قد تكون في بعض الأحيان عرضة للاستغلال.

  1. الشراء العلني والضمني للمناصب

في المغرب، يتم شراء المناصب الكبيرة عبر عدة طرق، يمكن تصنيفها إلى علنية وضمنية. في الحالتين، يتحكم المال والنفوذ في عملية تعيين المسؤولين.

  • الشراء العلني: يتمثل في دفع رشاوى مباشرة للحصول على منصب معين. هذا النوع من الفساد قد يكون مشاهدًا في العديد من المجالات، مثل الوظائف الحكومية. أحيانًا، يتم تسريب هذه المعلومات إلى العموم أو يتم الإبلاغ عنها في المحاكم، لكن تبقى غالبية هذه الحالات غير معلنة.
  • الشراء الضمني: يتمثل في تهيئة ظروف معينة تجعل الشخص يتقرب من أصحاب النفوذ بغية الوصول إلى المناصب الرفيعة. هذه العملية قد لا تشمل رشوة مباشرة، لكنها تتطلب استثمارات ضخمة في شبكة من العلاقات الشخصية والعائلية والمهنية. في كثير من الأحيان، تتم هذه المناورات في خفاء، بحيث لا يظهر أثر المال بشكل واضح، بل يتم الاعتماد على الدعم السياسي أو الاقتصادي لتحقيق هذه الأهداف.
  1. النظام السياسي وعلاقته بظاهرة شراء المناصب

تعود جذور هذه الظاهرة إلى بنية النظام السياسي في المغرب، الذي يتسم بتعدد الفاعلين السياسيين وتنوع العلاقات داخل الدولة.

  • التعيينات السياسية: غالبًا ما يتم تعيين الأشخاص في المناصب العليا بناءً على ولائهم للأحزاب السياسية أو شخصيات نافذة. في هذه الحالة، لا يعتمد التعيين على الكفاءة أو الجدارة بل على الشبكات والعلاقات التي تربط الفرد بالمنظومة السياسية الحاكمة. هذه التعيينات تكون بمثابة “مكافأة” للأشخاص الذين يقدمون الدعم للحزب الحاكم أو للسلطات العليا في البلد، بغض النظر عن كفاءتهم في المجال الذي يتم تعيينهم فيه.
  • المحسوبية: المحسوبية هي إحدى المظاهر البارزة في النظام الإداري المغربي. المسؤولون الذين يحصلون على المناصب بناءً على علاقاتهم العائلية أو الشخصية يساهمون في تعزيز هذه الظاهرة. المحسوبية ليست محصورة في القطاع العام، بل تمتد إلى القطاع الخاص، حيث يتعين على الأشخاص الحصول على النفوذ داخل المجموعات الاقتصادية الكبرى للحصول على عقود عمل وفي مناصب غير مستحقة.
  1. تأثير المال على النظام الإداري

المال له تأثير كبير على كيفية سير الأمور في المغرب. فالأشخاص الذين يمتلكون ثروات ضخمة يمكنهم شراء النفوذ والسلطة عبر طرق متنوعة.

  • الشركات الكبرى: في المغرب، تمتلك بعض الشركات الكبرى شبكة واسعة من العلاقات داخل الدوائر السياسية والإدارية. غالبًا ما يساهم هذا النفوذ في تأمين امتيازات للشركات، مثل الحصول على مشاريع كبيرة أو توقيع عقود مع الدولة. في كثير من الأحيان، قد يرتبط منح هذه العقود بوجود علاقات شخصية قوية بين أصحاب الشركات والمسؤولين.
  • الاستثمارات السياسية: ليس فقط المال من يتدخل، بل أيضًا الاستثمارات في الأشخاص الذين يملكون القدرة على إحداث التغيير داخل النظام. فالنخب السياسية والاقتصادية تستثمر في هذه العلاقات بغرض الوصول إلى المناصب العليا، حيث يتم تعزيز مصالحهم الخاصة على حساب مصلحة الدولة والمواطن.
  1. التأثيرات السلبية على الدولة والمجتمع

إن تأثير هذه الظاهرة على المغرب يمكن أن يكون بعيد المدى، حيث يساهم شراء المناصب في عدد من الأزمات التي يعاني منها البلد.

  • الفساد الإداري: لا شك أن شراء المناصب يعزز من الفساد داخل المؤسسات الحكومية. المسؤولون الذين يصلون إلى مواقعهم عبر وساطات سياسية أو اقتصادية قد لا يكونون في أغلب الأحيان مؤهلين لتولي هذه المناصب. هذا ينعكس على أداء المؤسسات ويعزز من ضعف الإدارة وغياب الشفافية.
  • التراجع في جودة الخدمات العامة: بما أن تعيين المسؤولين لا يعتمد على الكفاءة، فإن هذا يؤدي إلى تدهور جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. في العديد من الحالات، يتم تعيين أشخاص غير مؤهلين في المناصب العليا، مما ينعكس سلبًا على تقديم الخدمات العامة، سواء كانت صحية أو تعليمية أو غيرها.
  • اللامساواة في الفرص: هذه الظاهرة تساهم في توسيع الفجوة الاجتماعية، حيث يحصل الأفراد الذين يمتلكون علاقات قوية أو موارد مالية على فرص أكبر للحصول على المناصب الهامة، بينما يتم تهميش الأشخاص الذين لا يمتلكون هذه الامتيازات. وبالتالي، يساهم هذا في استمرار التفاوت الطبقي في المجتمع المغربي.
  1. التدابير القانونية لمكافحة هذه الظاهرة

منذ سنوات، بدأت السلطات المغربية تدرك الأثر السلبي لشراء المناصب على مستوى التنمية والتقدم. ولذلك، تم وضع بعض التدابير القانونية لمحاربة الفساد، مثل:

  • المحاكم المختصة: تم إنشاء محاكم مختصة لمكافحة الفساد، مثل محكمة جرائم الأموال. ورغم الجهود المبذولة، لا يزال تطبيق هذه القوانين يعاني من عراقيل تتعلق بضعف الآليات التنفيذية.
  • مكافحة الرشوة: أصدرت الحكومة المغربية عددًا من القوانين التي تهدف إلى الحد من الرشوة وتعزيز الشفافية في التعيينات والصفقات الحكومية. ولكن، يبقى السؤال قائمًا عن فعالية هذه القوانين في التصدي للظاهرة بشكل جذري.
  • الرقابة المجتمعية: تزايدت الدعوات إلى ضرورة تعزيز دور المجتمع المدني في محاربة هذه الظواهر. فالمنظمات الحقوقية والإعلامية تلعب دورًا كبيرًا في فضح حالات الفساد، ولكن دورها في إحداث تغييرات هيكلية يبقى محدودًا.
  1. الخلاصة

شراء المناصب في المغرب يمثل تحديًا كبيرًا أمام الإصلاحات السياسية والإدارية. بينما توجد قوانين واحتياطات تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة، فإن تنفيذها يبقى محدودًا بسبب الفساد المستشري والعلاقات المعقدة التي تحكم الجهاز الإداري والسياسي. إن الحلول لهذه المشكلة تتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتعزيز آليات الشفافية والمساءلة، بالإضافة إلى تحفيز المجتمع المدني والإعلام على لعب دور أكثر فعالية في محاربة الفساد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى