قانون محاربة العنف ضد النساء في المغرب: خطوة جريئة أم مجرد حبر على ورق؟
دابا ماروك
قانون 103.13، الذي يعد نقطة تحول في مسار حماية حقوق المرأة ومحاربة العنف ضدها، يمثل إنجازًا تشريعيًا بالغ الأهمية في المغرب. جاء هذا القانون استجابة لمطالب طويلة الأمد من الحركة الحقوقية والمدافعين عن حقوق النساء، حيث يهدف إلى إرساء إطار قانوني يجرّم بشكل واضح وصريح كافة أشكال العنف الموجه ضد النساء، سواء كان عنفًا جسديًا، نفسيًا، جنسيًا، أو اقتصاديًا. وقد جاء النص القانوني ليعزز حماية النساء ليس فقط في منازلهن ولكن أيضًا في الفضاءات العامة وأماكن العمل، من خلال إدراج عقوبات صارمة بحق المتحرشين والمعتدين.
لكن بالرغم من أهميته الرمزية والعملية، يواجه القانون تحديات عديدة على مستوى التطبيق. أحد هذه التحديات يتمثل في ضعف الوعي القانوني بين العديد من النساء، مما يؤدي إلى ترددهن في الإبلاغ عن العنف أو عدم معرفتهن بحقوقهن وكيفية الاستفادة من الحماية القانونية. بالإضافة إلى ذلك، تقف صعوبات إثبات بعض أشكال العنف، خاصة العنف النفسي أو التحرش الجنسي غير الموثق، كعائق كبير أمام تحقيق العدالة. كما أن بطء الإجراءات القضائية وتأخر المحاكمات يزيد من معاناة الضحايا ويقلل من فعالية الحماية المفترضة.
ولعل النقاش الأكثر إثارة يدور حول مدى قدرة القانون على إحداث تغيير حقيقي في المجتمع. فهل العقوبات التي ينص عليها القانون كافية لردع المعتدين؟ وهل السياسات المرافقة له، مثل الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، قادرة على تمكين النساء ومساعدتهن على تجاوز صدمات العنف؟ هذه الأسئلة تستمر في تحفيز حوارات واسعة بين القانونيين، النشطاء، والمجتمع ككل حول الطرق الأفضل لتفعيل القانون وضمان حماية النساء من جميع أشكال العنف.
- نبذة عن قانون 103.13
قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء صدر في عام 2018، ويعتبر محطة مهمة في إطار حماية حقوق المرأة في المغرب. جاء هذا القانون بعد سنوات من المطالبة المجتمعية والضغط من جمعيات حقوقية، وقد أدخل تغييرات جوهرية على المنظومة التشريعية المتعلقة بحماية النساء من مختلف أشكال العنف.
- أهداف القانون
القانون يهدف إلى توفير حماية فعالة للنساء، ومعالجة التبعات النفسية والاجتماعية للعنف ضدهن. من أبرز أهدافه:
- توفير حماية للنساء ضحايا العنف من خلال أوامر الحماية والتدابير الاحترازية.
- تجريم أشكال متعددة من العنف، بما في ذلك العنف الجسدي، النفسي، الجنسي، والاقتصادي.
- تشديد العقوبات على مرتكبي العنف، خصوصًا في حالات العنف الزوجي أو الأسري.
- أشكال العنف المجّرمة
القانون وسّع نطاق التعريف ليشمل:
- العنف النفسي: تهديد أو إهانة أو تمييز يضر بالمرأة معنويًا أو نفسيًا.
- العنف الجسدي: أي فعل عنيف يسبب الأذى البدني للمرأة.
- العنف الجنسي: أي فعل ينتهك الكرامة الجنسية للمرأة، بما في ذلك التحرش الجنسي، والذي يمكن أن يُعاقب عليه بالسجن والغرامات.
- العنف الاقتصادي: السيطرة المالية أو منع المرأة من حقوقها الاقتصادية، مثل التصرف في الممتلكات أو إرغامها على التخلي عن مواردها.
- أوامر الحماية والتدابير الوقائية
القانون يسمح بإصدار أوامر حماية مؤقتة لضمان سلامة الضحية. يمكن أن تشمل هذه الأوامر:
- إبعاد المعتدي عن المنزل أو مكان العمل.
- منع المعتدي من الاتصال بالضحية أو الاقتراب منها.
- توفير مساعدة للضحايا، مثل السكن المؤقت أو الدعم النفسي والاجتماعي.
- دور القضاء والأمن
القانون يعزز دور القضاء في حماية النساء، ويشدد على ضرورة تدخل الشرطة أو الدرك والنيابة العامة بسرعة في قضايا العنف. يُلزم الجهات القضائية بفتح تحقيقات مستعجلة في قضايا العنف الأسري، وتسهيل إجراءات الحماية.
- التحديات في التطبيق
- صعوبات الإثبات: بعض الجرائم، خاصة العنف النفسي، يصعب إثباتها، مما يجعل الضحايا يواجهن عراقيل أمام العدالة.
- ثقافة الصمت: العديد من النساء يفضلن الصمت بسبب الخوف من الفضيحة أو الانتقام، أو بسبب الضغوط الاجتماعية.
- نقص في الدعم المؤسسي: رغم أن القانون ينص على توفير الدعم النفسي والاجتماعي، فإن البنية التحتية والمراكز المخصصة لهذا الدعم ما زالت غير كافية.
- التأخر في الإجراءات: رغم النصوص القانونية، تواجه المحاكم صعوبات في سرعة البت في قضايا العنف، مما يطيل أمد معاناة الضحايا.
- دور المجتمع المدني
المنظمات غير الحكومية تلعب دورًا محوريًا في توعية النساء بحقوقهن القانونية، وتقديم الدعم لهن، سواء في تقديم الشكاوى أو توفير الحماية. كما تضغط هذه المنظمات لتحسين السياسات العامة وزيادة الموارد المخصصة لحماية النساء.
- التوصيات والتحسينات الممكنة
- تدريب السلطات المختصة: تعزيز برامج تدريبية للقضاة والأمن في التعامل مع قضايا العنف ضد النساء.
- تعزيز مراكز الدعم: إنشاء مراكز إيواء كافية للنساء المعنفات، مع توفير الدعم النفسي والاجتماعي.
- التوعية المجتمعية: إطلاق حملات توعوية لتغيير المفاهيم الثقافية التي تبرر العنف ضد النساء، وتشجيع النساء على التبليغ دون خوف.
- الآثار الإيجابية والمأمولة
من خلال التنفيذ الجيد، يمكن لهذا القانون أن يحدث تغييرًا إيجابيًا في حياة النساء، وأن يقلل من ظاهرة العنف الأسري، لكن ذلك يعتمد بشكل كبير على وعي المجتمع وتضافر الجهود بين الدولة والمجتمع المدني.