الغيرة الخفية في بيئة العمل المغربية: صراع خفي وتأثيرات واضحة
دابا ماروك
في بيئة العمل المغربية، كما هو الحال في العديد من الثقافات، تشكل العلاقات بين الزملاء نسيجًا متشابكًا من المشاعر والدوافع، بعضها نبيل وبعضها الآخر يحمل طابعًا مظلمًا من التنافس والغيرة الخفية. قد تبدو هذه العلاقات للوهلة الأولى مبنية على التفاهم والاحترام، لكن خلف الابتسامات المتبادلة والمجاملات الظاهرية، تنشأ أحيانًا مشاعر سلبية تتفشى كالأمراض الاجتماعية الفتاكة، مهددة أجواء العمل ومؤثرة على إنتاجية الأفراد وصحتهم النفسية.
الغيرة بين الزملاء في المجتمع المغربي ليست ظاهرة جديدة، بل هي مشاعر متجذرة تتجلى بطرق مختلفة، سواء في النقد اللاذع أو في إشاعات تروج بصمت. أعداء النجاح في بيئة العمل يزدادون نشاطًا عندما يرون شخصًا مجتهدًا وذكيًا، يتمتع بقدر من الوسامة والأناقة، ويحاول جاهدًا أن يكون في مستوى المسؤوليات الموكلة إليه. هؤلاء الأشخاص، الذين لا يستطيعون تحمل رؤية زميل ناجح يتميز عنهم، غالبًا ما يعبرون عن غيرتهم بطرق غير مباشرة، مثل السعي إلى التقليل من إنجازاته أو نشر الشائعات عنه في محاولة لتشويه صورته.
الاحتجاجات الصامتة والمعايير غير العادلة
إحدى أبرز أشكال الغيرة الخفية تظهر عند ترقية أحد الزملاء. وإذا استثنينا الاحتجاجات الصامتة التي تحدث حين يترقى زميل لسبب مشكوك فيه، كالتملق أو العلاقات الخاصة مع الإدارة، فإن الغيرة تظل جزءًا من المشهد اليومي في بيئات العمل. يشعر بعض الموظفين بأنهم تعرضوا للظلم، خاصة عندما يرون شخصًا يحقق النجاح أو يحظى بالتقدير، حتى لو كان ذلك نتيجة لجهوده واجتهاده. وفي تلك اللحظات، تتحول نظرات الزملاء إلى سيوف تراقب وتتربص، متسائلة عن أسرار نجاحه أو عن علاقاته المحتملة وراء الكواليس.
الوشاية ونقل الأخبار: أدوات الغيرة المدمرة
تعد الوشاية ونقل الأخبار بين الزملاء من أخطر الأساليب التي يتبناها أعداء النجاح. فالزملاء الوشاة يسعون دائمًا إلى استغلال أي معلومة، مهما كانت صغيرة، لتحويلها إلى أداة للإساءة والتشويه. يتم ذلك من خلال نشر الأخبار المغلوطة أو المبالغ فيها، ونقل تفاصيل النقاشات الخاصة إلى الإدارة أو الزملاء الآخرين بهدف الإيقاع بالشخص المستهدف. هذه الممارسات تتسبب في خلق جو من عدم الثقة والتوتر، وتجعل بيئة العمل مكانًا غير آمن يتسم بالترقب والحذر.
أعداء النجاح والصراع الداخلي
أن تكون ناجحًا في مجتمع لا يحتفي إلا بالمتملقين أحيانًا، يجعل النجاح أشبه بمعركة يومية. الشخص الذكي والمجتهد الذي يبذل قصارى جهده لتحقيق طموحاته قد يجد نفسه هدفًا لمكائد أعداء النجاح، الذين لا يطيقون رؤية الآخرين يسطعون. في الغالب، هؤلاء لا يملكون الجرأة على المواجهة الصريحة، بل يميلون إلى ممارسة النفاق الاجتماعي والتظاهر بالاحترام، بينما يحفرون حفرة الإحباط خلف الكواليس.
تأخذ الغيرة أشكالًا عديدة، من الانتقادات غير المباشرة إلى محاولات تعمد عرقلة مشاريع الزميل الناجح. العلاقات بين الزملاء تصبح أحيانًا حلبة للصراع، حيث يسود التنافس على الاعتراف والتميز، وليس بالضرورة على أسس الجدارة والاستحقاق. وقد تؤدي هذه الأجواء السامة إلى تدهور المناخ العام في مكان العمل، مما يضعف الروح الجماعية ويدفع الأفراد إلى الانعزال والابتعاد عن جوهر التعاون المثمر.
النفاق المتبادل: وجه آخر للأمراض الاجتماعية
أحيانًا، تكون علاقات الزمالة مبنية على النفاق المتبادل، حيث يبدي الزملاء تضامنًا زائفًا أمام الآخرين، لكن في الخفاء تُحاك المؤامرات وتُبث الإشاعات. النفاق يصبح وسيلة للبقاء في بيئة عمل تسودها الغيرة والتنافس غير الصحي، ما يجعل الأفراد يتظاهرون بالود بينما يحملون مشاعر الاستياء أو الحسد. هذه الأمراض الاجتماعية تتفشى في جسم الزملاء، وتخلق بيئة سامة تعيق التقدم المهني وتحبط الأفراد المبدعين الذين يسعون إلى تطوير أنفسهم والمساهمة في نجاح فريقهم.
في النهاية، تبقى الغيرة الخفية والوشاية بين الزملاء عائقًا حقيقيًا أمام تطور بيئة العمل في المجتمع المغربي. وقد يكون الحل في ترسيخ ثقافة قائمة على الشفافية والتقدير العادل للمجهودات، مع تعزيز قيم التعاون والاحترام المتبادل. فبناء بيئة عمل صحية يحتاج إلى تربية مجتمعية تُعلي من شأن القيم الإيجابية وتشجع على دعم الآخرين بدلاً من حسدهم.