تاريخ الحماقة الإنسانية: من العبودية إلى الديمقراطية المفترى عليها… وصولاً إلى نكثة كورونا!
دابا ماروك
عندما نقف عند عتبة التاريخ البشري وننظر إلى الوراء، لا يسعنا إلا أن نشعر بأن هذا العالم كان، وما زال، يسير في دوائر سخيفة، متقنًا لعبة العبث بامتياز. من الظلم الصارخ إلى العبودية المبنية على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ثم القفزة نحو الديمقراطية التي تُباع على أنها الحل السحري لكل مشاكلنا، ليأتي فيروس كورونا ويكشف عن السخرية الكبرى في تعاملنا مع أزماتنا. فما الذي تعلمناه من هذه التجارب؟ ولماذا نبدو وكأننا عالقون في دوامة لا فكاك منها؟
- الظلم – نظام عالمي أزلي
منذ بداية الخليقة، تفنن الإنسان في صناعة الظلم. الممالك الأولى كانت تعتمد على فكرة أن هناك “مختارين” و”عبيد”، وكلما ازداد التفاوت الاجتماعي، ازداد الجشع والعداء. الحضارات العظيمة التي نتغنى بها اليوم – كروما والإمبراطوريات الشرقية – قامت على أسس من القهر والدماء. الأرض كانت تُزرع بالجهد والعناء، لكن المكاسب تذهب دائمًا إلى النخبة الحاكمة. هل تغير شيء منذ تلك الأيام؟ قليل جدًا. اليوم، يتحول “الظلم” إلى مؤسسات معاصرة، تُطَبَّق باسم القانون والأنظمة الحديثة، لكنها لا تزال تفوح برائحة الماضي القاتمة.
- العبودية – استغلال الإنسان بكل إبداع
العبودية ليست مجرد صفحة في كتاب التاريخ، بل هي الفكرة العبقرية التي بنى عليها العالم النظام الاجتماعي والاقتصادي لفترات طويلة. ربما ظن البعض أنها انتهت مع نضال الشعوب والتحرر، لكن الحقيقة الصادمة هي أن العبودية تطورت ولبست ثوبًا جديدًا. اليوم، نرى عبودية من نوع آخر: عبودية العمل، حيث يعمل الناس لساعات طويلة مقابل أجور زهيدة تكاد لا تكفي لتغطية احتياجاتهم الأساسية. أصبح الفرد عبدًا للاقتصاد، وخاضعًا لضغوط السوق، في حين يزداد الأثرياء ثراءً.
- الديمقراطية – الوهم الذهبي
أتى عصر التنوير بما يسمونه “الديمقراطية”، تلك الأيقونة المقدسة التي يدّعي كثيرون أنها جاءت لتحررنا. لكن الحقيقة أن الديمقراطية لم تفعل أكثر من تغيير أقنعة الأنظمة السابقة. القادة الذين يأتون بالانتخابات غالبًا ما يكونون مجرد دمى في أيدي القوى الاقتصادية والسياسية الكبرى وحكومات الظل. وها نحن نجد شعوبًا تقف في طوابير طويلة لتضع ورقة تصويت في صندوق يقرر فيه المال والإعلام من سيفوز.
الديمقراطية المعاصرة ليست أكثر من استبدال للسلاطين بالطغاة الجدد، من خلال نظم متقنة تخفي فيها السلطة الحقيقة وراء وعود جوفاء.
- كورونا – القناع الذي كشف المستور
ثم جاء “كورونا”، وكأن العالم بحاجة إلى صدمة جديدة. الفيروس الصغير الذي لم يتجاوز قطره بضعة نانومترات استطاع أن يعرّي النظام العالمي ويكشف عن هشاشة كل ما كنا نظنه متينًا. الأنظمة الصحية انهارت، الحكومات تلعثمت، والأثرياء فروا إلى منتجعاتهم الخاصة، بينما المواطن البسيط جلس في منزله قلقًا على قوته اليومي. خلال الجائحة، تم تسييس الأزمة، وتم التلاعب بالمعلومات، واستُغلت المخاوف في تعزيز سيطرة الأنظمة على الشعوب.
للتذكير، فإن ما قيل عن جائحة كورونا كان أكثر من مجرد فيروس يهدد الصحة العامة. لقد كشف الستار عن أوجه متعددة من التلاعب والخداع في النظام العالمي، حيث اتسعت الهوة بين ما يُقال وما يُفعل. ربما كان الأمر برمته أشبه بمرآة تعكس واقعًا مليئًا بالتناقضات. سواء كان الوباء حقيقيًا أو مبالغًا فيه، فقد أتاح الفرصة لإعادة ترتيب الأولويات بشكل يثير التساؤلات حول الأجندات الخفية والمصالح السياسية والاقتصادية التي تتحكم في مصائر الشعوب.
- ماذا ينتظرنا؟ – الأسئلة الكبرى بلا إجابات
بعد كل هذا، يأتي السؤال الأهم: إلى أين نتجه؟ هل نحن حقًا قادرون على التعلم من أخطائنا؟ أم أننا مصممون على إعادة نفس السيناريوهات المأساوية؟ يبدو أن البشرية تستمتع بالسير في دوائر مغلقة من السخافة والعبث.
ربما ينتظرنا فصل جديد من الفوضى: أزمة بيئية تقضي على ما تبقى من الكوكب، أو حرب تكنولوجية ضد البشرية، أو أزمة اقتصادية تجعلنا نتذكر “الأيام الذهبية” عندما كانت الأمور “أقل سوءًا”.
خلاصة
تاريخ العالم ليس سوى سلسلة من السقوط والنهوض، وكأننا مصممون على تكرار أخطائنا. في النهاية، يبدو أن هذا العالم لا يريد أن يتعلم. كلما حاولنا أن نبني حضارة متقدمة، نسقط مرة أخرى في مستنقع الحماقة. ربما لأن السخافة والعبث جزء لا يتجزأ من طبيعتنا البشرية.