اقتصادمجتمع

جائحة كورونا بين اعتبارها قوة قاهرة وتداعياتها القانونية والاقتصادية: قراءة في التجارب الدولية

دابا ماروك

نستهل هذا المقال بإعادة نشر فقرة من مداخلة هامة للأستاذ عبد العالي المصباحي، المحامي العام بمحكمة النقض ورئيس رابطة قضاة المغرب، حول تأثير مرسوم حالة الطوارئ الصحية على الحقوق والحريات في السياق الاستثنائي الذي فرضته جائحة كورونا. أشار الأستاذ المصباحي في مداخلته إلى حكم محكمة الاستئناف بكولمار الفرنسية، التي قضت بعدم اعتبار فيروس كورونا بحد ذاته قوة قاهرة، وإنما الخطر الناتج عن العدوى وعدم توفر لقاح هو ما اعتبرته قوة قاهرة. ورغم هذا الحكم، أضاف الأستاذ أن الجائحة بآثارها الكارثية تمثل، من وجهة نظره، كارثة بكل المقاييس، وذلك بسبب الأضرار الصحية والاقتصادية التي خلفتها.

وفي هذا السياق، تواصل معنا بعض المتابعين ممن أكدوا أن آثار الجائحة الاقتصادية كانت أشد وقعاً، حيث تعرض العديد من الأفراد والشركات للإفلاس، ووجدوا أنفسهم عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم تجاه المؤسسات البنكية التي لم تتسامح مع ظروفهم. كما أن بعض المقاولات الصغيرة والمتوسطة، بمعية العاملين بها، تكبدت خسائر جسيمة وما زالت العديد من الملفات عالقة أمام المحاكم التجارية المغربية نتيجة النزاعات التي ولدت عن هذه الأزمة.

وبالنظر إلى هذا الواقع المعقد، نستعرض فيما يلي بعض الدول التي اعترفت بجائحة كورونا كـ”قوة قاهرة” وتأثير ذلك على القوانين والعقود في هذه الدول:

  الصين: كانت من أوائل الدول التي اعتبرت جائحة كورونا قوة قاهرة بشكل رسمي. وزارة التجارة الصينية أصدرت شهادات للشركات التي تضررت من الجائحة لتمكينها من إعفاء نفسها من الالتزامات التعاقدية تحت مسمى القوة القاهرة. هذا الإجراء كان يهدف إلى حماية الشركات الصينية من العقوبات المالية بسبب فشلها في تنفيذ العقود الدولية.

  فرنسا: بالرغم من أن محكمة استئناف كولمار الفرنسية رفضت اعتبار كورونا قوة قاهرة في حكمها الصادر في 12 مارس 2020، إلا أن القانون الفرنسي بدأ لاحقًا في الاعتراف بالجائحة كسبب مبرر لتعليق أو إلغاء بعض الالتزامات التعاقدية في قطاعات معينة، مثل الإيجارات التجارية أو التأمين. العديد من المحاكم الفرنسية اعتمدت هذا المفهوم حسب الظروف المحيطة بكل قضية.

  إيطاليا: خلال الجائحة، تبنت إيطاليا العديد من القوانين الاستثنائية، حيث اعتبرت السلطات الإيطالية كورونا قوة قاهرة في حالات تتعلق بتعطيل بعض الالتزامات، خاصة في القطاع السياحي والتجاري. تم إصدار قوانين تخفف من التزامات المستأجرين والعمال وأصحاب الشركات التي تعثرت بسبب الجائحة.

  المغرب: في المغرب، هناك حالات كثيرة تم فيها الاحتجاج بجائحة كورونا على أنها قوة قاهرة في المنازعات المتعلقة بالعقود والالتزامات. المحاكم التجارية المغربية تلقت العديد من الملفات العالقة التي تستند إلى هذا المبدأ، لكن لم يتم الإعلان بشكل موحد عن قرار قانوني يشمل جميع النزاعات.

  الإمارات العربية المتحدة: الحكومة الإماراتية تبنت في قوانينها أن جائحة كورونا يمكن اعتبارها قوة قاهرة في بعض الظروف، خاصة عندما تعيق الشركات أو الأفراد عن الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية. كما أصدرت بعض المحاكم أحكامًا تخفف الأعباء عن الشركات المتضررة.

على الرغم من أن كل دولة تطبق مفهوم القوة القاهرة بطرق مختلفة، فإن هناك شبه إجماع على أن الجائحة تعد حدثًا استثنائيًا يبرر مراجعة أو تعليق الالتزامات في ظروف محددة.

وهذا التفسير يستند إلى الحاجة الملحة لحماية الأفراد والشركات من الآثار السلبية للجائحة، مما يستدعي اتخاذ تدابير قانونية تسمح لهم بالتكيف مع الظروف المستجدة. ففي حالات الطوارئ، يصبح من الضروري إعمال مبدأ العدالة، حيث لا يمكن تحميل الأفراد أو الكيانات مسؤوليات تفوق قدرتهم على التحمل. هذا الأمر يعكس التوازن بين حماية الحقوق القانونية وضمان استمرارية الحياة الاقتصادية في أوقات الأزمات..

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى