حكاية الأستاذ المتقاعد: إرث التعليم وتأثيره المستدام
دابا ماروك
تحمل حكاية الأستاذ المتقاعد أبعاداً عميقة تتجاوز مجرد لقاءات عابرة مع تلاميذه السابقين، فهي تجسد رحلة حياة مليئة بالعطاء والتفاني. حينما يتأمل الأستاذ هذه اللحظات، يستعيد شريط حياته المهنية التي ربما كانت في لحظات ما تبدو مرهقة أو خالية من التقدير الفوري، ولكن ما إن يرى تلك الوجوه التي أصبحت اليوم قادة ومسؤولين، حتى يتبين له أن عمله لم يكن مجرد وظيفة؛ بل رسالة ذات أبعاد إنسانية.
منذ أيامه الأولى في التدريس، كان يعلم أن التعليم ليس مجرد تلقين معلومات، بل هو عملية بناء إنساني شامل. كان يزرع في تلاميذه القيم والأخلاق، يوجههم نحو التفكير النقدي، ويشجعهم على التحلي بالصبر والمثابرة. ربما لم يكن يرى ثمار جهوده مباشرة في لحظات التدريس، لكن هذه التحية الصادقة والاحترام الذي يتلقاه اليوم من تلاميذه الذين أصبحوا في مراكز المسؤولية، هو بمثابة شهادة حية على نجاح رسالته.
ما يميز هذا الشعور أنه يتجاوز الماديات، فلا علاقة له بالرواتب أو التكريمات الرسمية. إنه شعور بالسعادة العميقة والرضا الداخلي، بأن كل كلمة قالها وكل نصيحة قدمها، لم تذهب سدى. فاليوم، عندما ينظر في عيون تلاميذه السابقين الذين يحملون الآن مسؤوليات كبرى، يدرك أن ما كان يزرعه في تلك السنوات البعيدة، قد أثمر بشراً ناضجين، يساهمون في بناء المجتمع.
الأستاذ لا ينظر إلى تلك اللقاءات كتكريم شخصي فقط، بل يرى فيها امتداداً لعلاقته بتلاميذه. فكل نجاح يحققونه، وكل خطوة يخطونها نحو مستقبلهم، تحمل في طياتها جزءاً من إرثه التربوي. وهو في تقاعده الآن، يشعر وكأنه جزء من كل قصة نجاح، وكل تحدٍ تجاوزوه، مما يمنحه شعوراً عميقاً بالفخر والاستمرارية.
وفي أحيان كثيرة، يشعر الأستاذ المتقاعد بشيء من المفارقة، فبينما يعيش هو حياة التقاعد بهدوء، تلاميذه يديرون دواليب المجتمع ويواجهون التحديات الكبرى. لكنه يجد عزاءه في أنه لعب دورًا رئيسيًا في إعدادهم لهذه المراحل، وأنه كان لهم بمثابة الأب الثاني، الذي يرشدهم ويهيئهم لمواجهة الحياة.
في النهاية، حكاية الأستاذ المتقاعد ليست مجرد قصة فردية، بل هي رمز لعظمة مهنة التعليم التي لا تنتهي بمجرد الخروج من المدرسة. فالأثر الذي يتركه المعلم في تلاميذه يمتد طيلة حياتهم، وهو ما يشعر به هذا الأستاذ في كل مرة يسلم عليه أحد تلاميذه بابتسامة وامتنان، ليؤكد له أن دوره في المجتمع لم ينتهِ، بل يستمر من خلال إنجازات من علمهم وهداهم.