لماذا نقول “الأمور بخير” حتى عندما لا تكون كذلك؟
دابا ماروك
في عالمنا المعاصر، حيث يحرص الكثيرون على إظهار صورة إيجابية ومشرقة، نجد أن الحميمية في العلاقات الإنسانية تتضاءل بشكل ملحوظ. على الرغم من أن العديد منا يلتقي بأصدقائه ومعارفه ويتبادل معهم الحديث بشكل منتظم، فإن الحديث الصادق عن المشاكل والهموم الشخصية نادر جدًا. هذه الحميمية التي تجمع بين الأفراد، والتي يجب أن تتسم بالصدق والدعم المتبادل، تُختزل في كثير من الأحيان إلى مجاملات سطحية وتبادل للعبارات التقليدية. النادر هو أن نرى تبادلًا حقيقيًا للحديث حول التحديات والضغوطات التي نواجهها، مما يساهم في تعزيز الفجوة بين ما نُظهره وما نختبره في الواقع. إن الحفاظ على الحميمية الحقيقية يتطلب شجاعة وصدقًا، وهما ما نفتقدهما أحيانًا في تفاعلاتنا اليومية، مما يجعل من الصعب على الكثيرين مشاركة مشاعرهم بصدق وبحثهم عن الدعم في أوقات الحاجة.
وهكذا، أصبح من المعتاد جدًا أن نلتقي بأحد معارفنا أو أصدقائنا ونتبادل معه التحيات والحديث القصير حول أحوالنا. ومن بين الأسئلة الشائعة التي تطرح علينا، نجد ذلك الاستفسار البسيط والروتيني حول حالتنا النفسية: “كيف حالك؟” أو “كيف تسير الأمور معك؟”. وفي غالب الأحيان، نجد أنفسنا نرد على هذا السؤال بعبارة تقليدية مثل “الأمور بخير، والحمد لله”، حتى وإن كنا في قمة الاحباط أو نمر بظروف صعبة.
هذا التفاعل الروتيني، الذي يبدو عاديًا وغير مؤذٍ، يعكس جزءًا من ثقافتنا الاجتماعية التي تركز على التجاوب السريع والسطحي مع الآخرين دون التعمق في التفاصيل. فبدلاً من تبادل الحديث بصدق وشفافية حول معاناتنا أو التحديات التي نواجهها، نميل إلى الحفاظ على واجهة اجتماعية تتسم بالإيجابية والطمأنينة.
قد يكون من المفهوم أن نفضل تقديم صورة إيجابية عن أنفسنا لنجنب الآخرين الإحراج أو الحديث عن مشاكلنا، ولكن هذا النوع من التفاعل يمكن أن يؤثر على طريقة تعاملنا مع مشاكلنا الشخصية. عندما نرد بعبارة “الأمور بخير”، حتى وإن كنا نعاني من توتر أو ضغوطات، فإننا لا نسمح لأنفسنا بالاعتراف أو المواجهة الحقيقية لتلك المشاعر السلبية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تراكم الضغوط دون معالجتها بشكل صحيح، مما يساهم في تزايد الشعور بالإحباط وعدم الرضا.
على الصعيد الاجتماعي، هذا الأسلوب في التفاعل قد يخلق بيئة تشجع على الحفاظ على الصورة الاجتماعية المثالية، بدلاً من تعزيز ثقافة الصراحة والصدق في التعبير عن المشاعر والتحديات الشخصية. فمن المهم أن ندرك أن الانفتاح ولو على قلة قليلة من الآخرين ومشاركة تجاربنا بشكل حقيقي يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على صحتنا النفسية ويساعدنا في بناء علاقات أكثر صدقاً وعمقاً.
في النهاية، من الضروري أن نعيد تقييم كيفية تعاطينا مع أسئلة مثل “كيف حالك؟” وأن نكون أكثر صدقاً مع أنفسنا ومع من حولنا. فبدلاً من التظاهر بأن كل شيء على ما يرام، قد يكون من المفيد أن نسمح لأنفسنا بالتعبير عن مشاعرنا الحقيقية، سواء كانت إيجابية أم سلبية. إن الاعتراف بالمشاكل والضغوطات والبحث عن الدعم يمكن أن يكون خطوة هامة نحو تحقيق التوازن النفسي.