مجتمع

فنون الحياة: كيف أصبحنا جميعًا خبراء في معاناة العصر الحديث

محمد أبناي

هل تساءلت يومًا كيف يمكن أن تكون المعاناة بمثابة فنٍّ راقٍ؟ نعم، فنٌّ يفتح لك أبواب التعاسة والهموم كأنك مدعو لحفلة ملوّثة في قاعة الانتظار إلى الأبد. في عالمنا اليوم، يبدو أن الألم والمعاناة قد تحولا إلى مشاريع تجارية تجذب الجماهير أكثر من عروض السيرك القديمة.

لنبدأ بحفلات البكاء والعويل التي نشارك فيها جميعًا، والتي نطلق عليها عادةً اسم “حياتنا اليومية”. يبدو أن الناس في كل مكان قد حصلوا على شهادة في المعاناة؛ منهم من يعاني من ضغوط العمل، ومنهم من يشكو من مصاعب الزواج، ومنهم من يقضي وقته في فوضى إدارة المنزل وكأنهم مدراء في شركة كبرى دون أن يتقاضوا أجرًا.

هل تذكر كيف نشتكي من ضغوط العمل وكأننا نعيش في مسرحية درامية غير مكتملة؟ يأتي زميلك في العمل، وينظر إليك بتلك النظرة العميقة التي تقول “أوه، أنا أعاني أيضًا”، بينما هو نفسه يشتكي من أزمة فقدان القهوة الصباحية. يبدو أن كل منا يكتب نصًا دراميًا من معاناته الشخصية، ويبدأ في توزيع الأدوار في محيطه كأننا جميعًا ممثلون في فيلم مغمور عن “معاناة الرجل المثالي”.

وفي عالم العلاقات، يبدو أن الحب قد تحول إلى مسرحية هزلية لا تُطاق. ننتقل من علاقة إلى أخرى وكأننا في جولة فنية لم تعرض بعد على الجمهور. نشكو من عدم الفهم وعدم التقدير وكأننا نؤدي عرضًا كوميديًا في نادي ليلي، حيث يتسابق الجميع للتعبير عن أسفهم عندما يتم التقاط صور لنا.

ولا ننسى بالطبع معاناة الطهي، والتي يمكن أن تكون فنًا راقيًا إذا أردت أن تتذوق مرارة الإحباط. نجهز الوجبات وكأننا نشارك في مسابقة “أفضل عشاء فاشل”. ننتظر بفارغ الصبر النتيجة النهائية، والتي غالبًا ما تكون دعوة للعشاء عند الأصدقاء، أو في أسوأ الحالات، تناول الطعام في المطاعم السريعة.

أخيرًا، لا يمكن أن ننسى معاناة الانتظار في الطوابير، التي قد تكون من أكثر الفنون إتقانًا في عصرنا. ننتظر في الصفوف وكأننا جزء من عرض طويل الأمد للفن التجريدي، حيث نعيش في انتظار لا ينتهي، ونشعر وكأننا مجبرون على تقديم عرض درامي حول “تجربة الانتظار” في قلب الحياة اليومية.

في الختام، يمكننا أن نتفق على أن المعاناة في زمننا هذا قد تحولت إلى فنون رائعة، حيث يلعب كل واحد منا دوره في مسرحية الحياة بأسلوبه الخاص. إذا كنت تشعر بالضياع في هذا العرض، فلا تقلق، فأنت لست وحدك. فن المعاناة يعاني أيضًا، ولا زال يبحث عن جمهوره المناسب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى