حصانة الدفاع: ضمان للمشروعية وسيادة القانون في ظل مشاريع الردة
ذ/ يوسف عبد القاوي
عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء
بمناسبة مشروع قانون المسطرة المدنية وتذكراً للمؤتمر الخامس عشر لجمعية هيئات المحامين بالمغرب الذي انعقد في الدار البيضاء سنة 1977 تحت شعار “حصانة الدفاع: ضمان للمشروعية وسيادة القانون”، نستعرض في هذا المقال أهمية حصانة الدفاع في الوقت الراهن، استناداً إلى توصيات المؤتمر ومجريات الأحداث القانونية الحالية.
جاء في توصية من توصيات المؤتمر ما يلي: “يرى المؤتمرون أن تحقيق الحصانة يكمن في تأمين المحامين ضد أي إجراء تأديبي أو زجري يصدر عن نفس المحكمة التي يترافعون أمامها، وذلك حتى لا يكونوا ضحايا انفعالات عارضة تمس حقوقهم وتضر بمصالح المتقاضين” (مجلة المحاكم المغربية، العدد 15، صفحة 80). ورغم الجهود المبذولة من قبل لجنة التشريع والعدل أثناء مناقشة قانون المحاماة الصادر في 5 يونيو 1979، والتي أدت إلى وضع مقتضيات قانونية تحمي المحامي من أي ضغط أو تعسف، فقد قوبل مشروع القانون بالرفض من قبل مجلس النواب.
يمارس المحامي عمله في بيئة تتسم بتنوع الأطراف المعنية، من ضباط الشرطة القضائية إلى القضاة والخبراء. ولحماية المحامي أثناء ممارسة مهامه، من الضروري سن تشريعات متقدمة تحصنه من أي تصرف أو إجراء قد يحد من حريته في أداء مهامه.
إلا أن التداخل غير المتناسق، وأحياناً المتناقض، بين مقتضيات القانون 28.08 المنظم لمهنة المحاماة وقانون المسطرة المدنية يؤثر سلباً على استقلال مهنة المحاماة ويقلل من الضمانات التي توفر حماية للمحامي. حيث أن التنصيص على حصانة الدفاع بمقتضى المواد 58 و59 و60 مع الإبقاء على مقتضيات المادة 341 من قانون المسطرة المدنية، التي تجيز للمحكمة فرض عقوبات مثل الإنذار والتوبيخ والإيقاف المؤقت، يتناقض مع حصانة المحامين ويستدعي إلغاء المادة 341 التي تنص على: “إذا صدرت من محامين أقوال تتضمن سباً أو إهانة أو قذف، تحرر المحكمة محضراً بذلك وتحيله على النقيب وعلى الوكيل العام للملك لاتخاذ ما قد يكون لازماً.”
المادة 62 من الباب الثاني المتعلقة بالجلسات من مسودات مشروع قانون المسطرة المدنية أثارت جدلاً كبيراً، حيث اعتبرها العديد من المحامين ماسة بحصانتهم وتجاهل لمطالب تقويتها، خاصة في ظل التهديد بالمتابعة الذي قد يقيدهم أثناء أداء مهامهم. النص الجديد للمادة ينص على: “إذا صدرت خطب تتضمن سباً أو إهانة أو قذف من أحد ممثلي الأطراف الذي له بحكم مهنته حق التمثيل، حرر رئيس الجلسة محضراً يوجهه إلى النيابة العامة، فإذا تعلق الأمر بمحام، بعثه إلى نقيب الهيئة وإلى الوكيل العام للملك لاتخاذ ما يراه ملائماً.”
من غير الواضح من هم هؤلاء الذين لهم حق التمثيل أمام القضاء، حيث أن المحامي هو الوحيد الذي يتمتع بهذا الحق بشكل رئيسي. فمن الضروري وضع حد لمثل هذه الحالات الشاذة للحفاظ على مصالح المواطنين وعلى المال العام.
الهدف من حصانة الدفاع ليس منح امتيازات للمحامين، بل لضمان أنهم يمارسون مهامهم بحرية وأمان. إذا شعر المحامي بالضغط أو بالتهديد، قد يؤثر ذلك سلباً على أداء واجباته في الدفاع وحماية الحقوق.
في الختام، من الضروري أن تتخذ المؤسسات المهنية والمشرع تدابير عاجلة لوضع تشريع يحمي هيئة الدفاع ويعزز هيبة القضاء، حيث أن اعتداءات على المحامين، حتى الجسدية منها، بدأت تتزايد، مما يستدعي تعزيز الحماية الخاصة بالدفاع.