إعادة بناء صورة المحامي: استراتيجية التواصل والتصدي لحملات التشويه
ذ/ يوسف عبد القاوي
عضو مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء
في خضم المعركة التي يخوضها المحامون من أجل تحقيق قوانين عادلة ومتوافقة مع الدستور والاتفاقيات الدولية، يتبادر إلى ذهني تساؤل حول صورة المحامي في أعين الجمهور. لا شك أن صورة وسمعة المؤسسات تلعب دوراً مهماً في تقييم الأفراد الذين يمارسون نفس المهنة، إذ أن سمعة وهيبة المؤسسات تتماشى مع سمعة وهيبة أعضائها.
تُعرَف السمعة والصورة الذهنية التي يشكلها الجمهور عن مجموعة من الأفراد بأنها “الصورة الفعلية التي تتكون في أذهان الناس عن المؤسسات المختلفة، والتي يمكن أن تنشأ من التجربة المباشرة أو غير المباشرة، وقد تكون عقلانية أو غير رشيدة، وتعتمد على الأدلة والوثائق أو الإشاعات والأقوال غير الموثقة. لكنها، في النهاية، تعكس واقعاً حقيقياً بالنسبة لمن يحملونها في أذهانهم”.
لا يمكن إنكار أن صورة المحامي في المجتمع مهتزة بشكل كبير. فالمحامي يُحمَّل مسؤولية التأخير في البت في القضايا، ويُلام على الممارسات الشاذة داخل المحاكم إذا وجدت، ويتحمل مسؤولية الأحكام إذا كانت غير صحيحة أو لا تتوافق مع تطلعات الموكل، فضلاً عن المسؤولية عن الأخطاء القضائية، والأخطاء المادية، وأخطاء أو تجاوزات الخبراء، وتهاون المفوضين القضائيين، وغياب كتاب الضبط، وتأخر الضابطة القضائية في معالجة الشكايات، وتأخر التنفيذات، وغير ذلك.
إن غياب التواصل الفعال عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وافتقار أيام تواصلية مفتوحة للتعريف بالمحاماة، ودورها، وأهميتها، وتاريخها، ورفع اللبس عنها، وتوضيح الغموض الذي يحيط بها لدى البعض، كلها عوامل تساهم في انتشار الأفكار المغلوطة والأحكام الجاهزة.
حتى اللقاءات والمؤتمرات والندوات التي ينظمها المحامون غالباً ما تكون مغلقة، ويقتصر حضورها على المحامين فقط أو بعض المسؤولين القضائيين، بينما يغيب الجمهور العريض الذي يضم جميع شرائح المجتمع. من الضروري تنظيم ملتقيات تشارك فيها كافة فئات المجتمع وتناقش إكراهات عمل المحامين، وتوضح الغموض، وتبرز أن مؤسسة المحامي هي الأقرب للمواطن، وأن حماية حقوقه وحرياته ومصالحه هي أكبر اهتماماتها. هكذا فقط يمكن تحقيق التصالح مع المجتمع وتصحيح الصورة وحماية السمعة.
لقد كان رفع المحامون لـ”حق المواطن في الوصول المستنير إلى العدالة” خلال الحراكات المهنية الأخيرة اختياراً ذكياً وصائباً. وقد ساهم بشكل كبير في دفع الوزارة إلى تبني تعديلات في مسودات مشاريع قانون المسطرة المدنية، حيث أظهر هذا الشعار أن المحامين لا يدافعون عن مصالح ضيقة كما حاولت بعض حملات التشويه أن تظهر.
بالتالي، نحن في حاجة إلى حملة علاقات عامة منظمة، تتضمن أنشطة وجهوداً مدروسة لرصد اتجاهات الرأي العام وتقييمها، ووضع استراتيجيات وخطط لتلبية احتياجات الرأي العام عبر الاتصال المتبادل، بهدف تحقيق التفاهم والتكيف والتناغم الذي يؤدي إلى كسب تأييد المواطنين في معركتنا ضد مشاريع التراجع، كما أسماها السيد النقيب الحسن وهبي. ولا يمكن تحقيق ذلك، إلا من خلال إتقان فن كسب تأييد الرأي العام عبر استراتيجيات وأنشطة تهدف إلى التواصل الفعّال مع المواطنين لتحقيق انسجام بين الطرفين.
لذا، يتوجب على “جمعية هيئات المحامين بالمغرب” باعتبارها الإطار التنسيقي لمختلف الهيئات، القيام بالمهمات التالية لضمان تغيير ناجح وتحسين صورة المحامي داخل المجتمع:
- تقييم داخلي لتحديد الصورة التي نرغب كمحامين في تكوينها عن أنفسنا.
- معرفة الصورة الذهنية التي يحملها الجمهور عن المحاماة ومزاوليها.
- التخطيط والتنفيذ لخطط العمل، مع التدقيق والمراجعة والتتبع.
- التسويق داخلياً وخارجياً للصورة الذهنية المستهدفة.
كما أن التصدي بحزم لحملات التشويه المقصودة، التي تحركها رغبة في تصفية الحسابات، والتي تضر بصورة المحامي وسمعته ومكانته في المجتمع، من شأنه ردع كل من يفكر في النيل من مهنة النبل والشرف.