ديمقراطية على المقاس: حين يصبح رضى المخزن أهم من رضى الوالدين
دابا ماروك
أه كم جنوا عليكِ يا أيتها الديمقراطية في المغرب! في بلادٍ كان يفترض أن تكون الديمقراطية فيها نبعًا للمساواة والعدالة، باتت اليوم مسرحًا عبثيًا حيث تتسابق الأحزاب، على اختلاف ألوانها وأيديولوجياتها، للفوز بأكبر عدد من المقاعد في مجلسٍ لم يعد يهم سوى الساعين إلى كسب الود والرضا، سواء كان ذلك من المخزن أو حتى من ذاتهم المتضخمة. يا للسخرية! اليمين القديم يعانق اليسار القديم في تحالفات عجيبة، حيث تلاشت المبادئ وانعدمت الرؤية، وتوحد الجميع تحت راية واحدة: راية الحفاظ على الوضع الراهن.
هل رأيتم كيف تحول الساسة إلى “نسخ مكررة”؟ نفس الوجوه، نفس الشعارات، نفس البرامج، كل شيء هنا يبدو مألوفًا حد الملل، وكأن الزمن توقف عند حقبة سياسية معينة. ترى الحزب الذي كان بالأمس ينادي بالتغيير، يقف اليوم جنبا إلى جنب مع من كان ينعتهم بالأعداء، فقط ليضمن مكانه في دائرة السلطة. أما المصلحة العليا للبلاد، فقد أصبحت شيئًا من الماضي، لا أحد يتحدث عنها، ولا أحد يأخذها على محمل الجد.
وماذا عن المخزن؟ تلك السلطة التي كانت ولا تزال تتحكم في خيوط اللعبة السياسية، أصبحت اليوم هي المبتغى والغاية. رضى المخزن أصبح أفضل من رضى الوالدين، بل أصبح هو الطريق المختصر لكل من يرغب في الوصول إلى قمة هرم السلطة. لم يعد الأمر يتعلق بالكفاءة أو بالبرامج الانتخابية، بل بات الشرط الأساسي أن تكون طبّالاً ماهرًا في البرامج التلفزيونية وفي نشرات الأخبار. يكفي أن تُصفق هنا وتبتسم هناك، وستجد نفسك فجأة في قلب المشهد السياسي، “وشوف تشوف”.
وأما الشعب، ذلك الشعب المفتون بفكرة الديمقراطية، فما زال يقبع في قاعة الانتظار، ينتظر دوره الذي يبدو أنه لن يأتي أبدًا. لقد أصبح قدره رهينًا بتلك “الكمامير” السياسية التي لا تتغير، كما لا تتغير أوضاع البلاد. الغلاء يزداد يومًا بعد يوم، الدواء أصبح رفاهية لا يقدر عليها إلا القليلون، المواد الغذائية ترتفع أسعارها بشكل مستمر، وكأن المخططين قرروا خنق حياة المواطنين في علب السردين الضيقة.
يا له من مشهدٍ كاريكاتوري، حيث الديمقراطية تُستخدم كأداة لتزيين واجهة السلطة، بينما الواقع هو أن البلد يسير نحو المجهول. الشعب متروك ليغرق في مشاكله اليومية، فيما الساسة ينهمكون في صراعاتهم الصغيرة التي لا تقدم ولا تؤخر. نعم، يا أيتها الديمقراطية، كم جنوا عليكِ في هذا البلد الذي كان يفترض أن تكوني فيه نورًا يهدي الطريق، فإذا بكِ تتحولين إلى لعبة في أيدي أولئك الذين لا يعرفون إلا مصالحهم الخاصة.
هكذا تستمر اللعبة، والمواطن العادي، المرهق من جراء الغلاء وضيق العيش، لا يجد في نهاية المطاف سوى السخرية وسيلة للتعبير عن استيائه. سخرية من واقعٍ يزداد قسوة، من ديمقراطية باتت حبيسة النخب، ومن بلدٍ كان يمكن أن يكون أفضل بكثير مما هو عليه الآن.