مجتمع

البطاطس والزيتون في المغرب: حينما تصبح لقمة الفقير حلمًا وموائد كبار القوم أسطورة

م-ص

تصوروا معنا شعبًا مغربيًا عظيمًا، يعمل ويكافح، يعرق ويشقى، ليس من أجل بناء وطنه أو تحقيق طموحاته، بل من أجل شيء بسيط جدًا: البطاطس والزيتون. نعم، تلك البطاطس المقدسة التي أصبحت رمزًا للصمود والتحدي، والزيتون الذي تحول إلى حلم بعيد المنال. بينما يجتهد هذا الشعب في زراعة البطاطس وتكديس الزيتون، هناك ثلة تعيش في عالم آخر، عالم لا يعرف البطاطس ولا الزيتون، بل يعرف شيئًا آخر تمامًا.

تلك الثلة المحظوظة تتغذى على خيرات البلاد، تلك الخيرات التي تُنتزع من تحت أقدام الشعب وتُرسل مباشرة إلى موائدهم الفاخرة. يشربون عصير الفوسفاط بانتشاء، وكأنه ماء الحياة، يأكلون ما لذ وطاب، مستبدلين “البطاطا” بأطايب الأكل، تلك الأطعمة التي تليق بالبشر، وليس بالفلاحين الذين يقضون يومهم في الحقول، يدركون جيدًا أن ما يجمعونه لن يصل إلى موائدهم، بل إلى موائد الكبار.

تخيلوا معي صورة ساخرة لهذا الشعب، شعب يتسابق نحو الأسواق لشراء البطاطس وكأنها الكافيار، ويتفاوض في أثمان الزيتون وكأنه يستثمر في بورصة الذهب. في حين أن القلة المتنورة، المستفيدة من خيرات البلاد، تعيش رفاهية لا تتصور، ترقص على أنغام الفوائد البنكية والشركات العملاقة، وتحتسي نبيذ الفوسفاط بمزاج مترف.

وعندما يتساءل المواطن البسيط عن حقوقه، تأتيه الإجابة سريعة: “لقد حصلت على بطاطسك وزيتونك، فما الذي تحتاجه أكثر من ذلك؟”. وهنا يكمن جوهر المأساة، أن المواطن الذي يفترض أن يكون سيدًا في وطنه، تحول إلى عبدٍ لبطاطس وزيتون، يعيش ليأكل ويأكل ليعيش، في حين أن ثروات البلاد تتدفق إلى حسابات لا يعلم عنها شيئًا.

إنها قصة ثورية بحق، قصة شعب يستحق أكثر من البطاطس والزيتون، يستحق أن يعيش بكرامة، أن يتمتع بخيرات بلاده، أن يتذوق طعم الحرية والاستقلالية. ولكن للأسف، لا تزال البطاطس هي سيدة الموقف، والزيتون هو الحلم المستحيل.

وفي هذا العالم الساخر، تستمر الحكاية، بينما تظل الثلة في برجها العاجي، تشاهد من بعيد، وتضحك من قمة شبعها، غير عابئة بشعب يلهث وراء بطاطس وزيتون، متناسين أن في البطاطس والزيتون سرًا عظيمًا، سرًا لا يمكن فهمه إلا من عاش وجاع في أرض المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى