مجتمع

كيف تحول الشعب المغربي إلى كومبارس والقلّة إلى أبطال البذخ

م-ص

في فيلم “دعونا نعيش لوحدنا في المغرب”، كان من المفترض أن يكون الشعب المغربي هو النجم البارز، ولكنه تحول في النهاية إلى مجرد كومبارس، بينما كانت القلة القليلة من أصحاب النفوذ والمصالح الخاصة تتقاسم أدوار البطولة وكأنها حفلة خاصة بهم، فيها يتنقلون بين قصورهم المنيفة ومشاريعهم العملاقة دون أدنى اعتبار لأولئك الذين يقفون خلف الكاميرات، ممسكين بحبال المعيشة بصعوبة.

في هذا الفيلم الواقعي، يبدو أن السيناريو كان مكتوبًا بعناية ليرسم لنا حياة بسيطة يملؤها الرضا، مع أبطال مجهولين يعيشون على الكفاف. ومع كل مشهد، تُسلط الأضواء على قصور فاخرة ومشاريع تجارية ضخمة، بينما يتم تجاهل الأحياء الشعبية المتهالكة والشوارع المليئة بالحفر التي تعبر عن واقع الكومبارس اليومي.

عندما نتحدث عن عامة الناس في المغرب، نجدهم قد تحولوا إلى جمهور يشاهد العرض من بعيد، وليس أمامهم سوى التصفيق على ما لا يستطيعون تغييره. والواقع أن المغاربة لم يُمنحوا حتى فرصة للظهور في المشهد الرئيسي، بل اكتفوا بلعب أدوار ثانوية، يقدمون فيها التضحيات لتبقى الأضواء مسلطة على أولئك الذين يعرفون كيف يجلسون في مقاعد القيادة، ويتناولون كعكة البلاد فيما بينهم دون أن يتركوا فتاتًا للبقية.

أحد المشاهد الكوميدية السوداء في هذا الفيلم هو كيف تحول “حق العيش الكريم” إلى نوع من الفانتازيا. فبينما تلمع القصور وتزدهر الشركات الكبرى، يتصارع المواطن البسيط مع غلاء المعيشة، التي لا تزيده إلا اختناقًا في دوامة لا مخرج منها. كأننا نعيش في نسخة معكوسة من “ألف ليلة وليلة”، حيث تُكتب الحكايات ليس للترفيه عن السلاطين، بل لإلهاء الناس عن واقعهم المرير.

وما يثير السخرية أكثر هو تلك البنية التحتية التي يتم تلميعها بين الحين والآخر فقط لخدمة مشاريعهم الفاخرة، وليس لتحسين حياة المواطن. فالممرات الأرضية، التي كان من المفترض أن تكون لخدمة الشعب، أصبحت جسورًا تربط بين قصور الأثرياء، فيما تتهاوى المدارس والمستشفيات التي تُركت لشأنها. وهكذا، يتردد صدى كلمة “التنمية” في الأفق، بينما يتساءل المواطن البسيط: “أي تنمية هذه التي تتحدثون عنها؟”

حتى الحاجيات الأساسية مثل التعليم والصحة أصبحت مقتنيات فاخرة لا يقدر عليها إلا أصحاب النفوذ. ففي هذا الفيلم، التعليم الجيد هو من نصيب من يستطيع دفع ثمنه، أما البقية فيتكدسون في مدارس لا تكاد تستوعبهم، يتعلمون مناهج تزداد قدمًا يوما بعد يوم. وبالنسبة للصحة، فالعيادات الخاصة هي مسرحية أخرى حيث يتجسد البذخ، بينما المستشفيات العمومية تتحول إلى مشاهد كابوسية تفوق أي سيناريو.

وربما يأتي المشهد الأكثر سخرية في هذا الفيلم عندما نرى الحكومة تُطل علينا من شرفات قصورها لتحدثنا عن “المصلحة العامة” و”مكافحة الفساد”، بينما الواقع يقول شيئًا آخر. فالمواطن الذي يعيش بالكاد على قوت يومه، يرى كيف يتلاشى حقه في العيش الكريم أمام أعينهم، بينما تنهمر الصفقات والمشاريع الكبرى على طبقة صغيرة لا تتجاوز حدود المصالح الشخصية.

في النهاية، يبدو أن المغاربة قد أصبحوا فعلاً كومبارس في فيلم لا ينتهي، حيث يتحركون في الخلفية بلا صوت، بينما تتراقص في المقدمة طبقة متكونة من حديثي النعمة، تمسك بخيوط السيناريو. فهل يستمر هذا الفيلم إلى ما لا نهاية؟ أم سيأتي يوم يرفع فيه الكومبارس رؤوسهم ويطالبون بأدوارهم الرئيسية في هذا العرض الكبير؟ فقط الأيام كفيلة بالإجابة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى