عندما يصبح الدواء الأحمر أغلى من الصحة: مأساة المغاربة مع وزارة “قلة الصحة”

دابا ماروك

مقدمة: نظام صحي يُثقل كاهل المواطن  

لطالما كانت الصحة حقًا من حقوق الإنسان الأساسية، ولكنها في المغرب تبدو وكأنها رفاهية لا يستطيع الكثيرون تحملها. يتعرض المواطنون يوميًا لمعاناة لا تنتهي مع نظام صحي يفتقر إلى الموارد الأساسية، ويزداد الأمر تعقيدًا بسبب السياسات التي تفرض أعباءً إضافية على كاهل الفقراء. في هذا السياق، تتحول الحاجة إلى الرعاية الصحية إلى مأساة يومية يدفع فيها المواطن الثمن غاليًا، ليس فقط ماليًا ولكن نفسيًا واجتماعيًا أيضًا.

الدواء الأحمر: من رمز العلاج إلى عبء الإنفاق

يعد “الدواء الأحمر” أحد أشهر الأدوية التي تُستخدم في المغرب كجزء من الرعاية الصحية الأولية. ولكن ما كان من المفترض أن يكون وسيلة للتخفيف عن المرضى أصبح رمزًا للأزمة. وزارة “قلة الصحة” تفرض على المواطنين دفع مبلغ 40 درهما لولوج المستشفى حيث يخال لك بكل بساطة أن الدواء الأحمر الذي تستفيد منه لوحده يباع ب40 درهما، ما يثير تساؤلات حول قدرة الوزارة على توفير خدمات صحية ميسورة التكلفة. والأمر لا يقتصر على الدواء الأحمر وحده، بل يمتد ليشمل المعدات الطبية، الفحوصات، وحتى العمليات الجراحية.

مآسي الانتظار الطويل في المستشفيات

في العديد من الحالات، يضطر المواطن إلى الانتظار شهورًا لإجراء عملية جراحية بسيطة، وغالبًا ما يموت البعض وهم على قوائم الانتظار. يحدث ذلك رغم أن العمليات قد لا تتطلب سوى بضع ساعات أو حتى دقائق. هذه الظاهرة أصبحت أمرًا مألوفًا في المستشفيات المغربية، حيث يفتقر النظام الصحي إلى الكفاءة والموارد اللازمة لتلبية احتياجات السكان. في المستشفيات العمومية، قد تضطر العائلات إلى الانتظار لأسابيع فقط لتحديد موعد مع الطبيب، ثم المزيد من الأسابيع لإجراء الفحوصات، ناهيك عن انتظار العملية نفسها.

تكاليف غير مباشرة: من الرشوة إلى المعاناة اليومية

في حين أن الرشوة والتدويرة تُعتبران وجهين مألوفين للمشاكل الصحية، فإن التكاليف غير المباشرة تمثل عبئًا إضافيًا. المواطنون يجدون أنفسهم يدفعون مقابل خدمات من المفترض أن تكون مجانية أو ميسورة التكلفة. وتشمل هذه التكاليف النقل، الفحوصات المخبرية، والأدوية التي غالبًا ما تكون باهظة الثمن أو غير متوفرة في المستشفيات. وبسبب نقص المعدات الطبية، يُضطر المرضى إلى شراء المواد اللازمة لإجراء العمليات من السوق السوداء.

تأثير هذا الوضع على الفئات الهشة

  1. الأطفال وكبار السن: هم الأكثر تضررًا من هذا النظام الصحي غير الفعال. فالأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية مستمرة وكبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة يواجهون صعوبات هائلة في الوصول إلى الخدمات الطبية.
  2. الأسر ذات الدخل المحدود: تعاني من الإنفاق المفرط على الخدمات الصحية، ما يؤدي إلى تراجع قدرتها على تلبية الاحتياجات الأساسية الأخرى مثل التعليم والغذاء.

خطوات نحو التغيير

رغم هذا الواقع المؤلم، فإن تحسين النظام الصحي ليس مستحيلاً. يمكن اتخاذ عدة خطوات لتخفيف معاناة المواطنين:

  1. توفير الأدوية الأساسية مجانًا: يجب على الدولة تحمل مسؤولية توفير الأدوية الأساسية مثل “الدواء الأحمر” لجميع المواطنين.
  2. تقليل أوقات الانتظار: تحسين كفاءة المستشفيات وزيادة عدد الأطباء والجراحين يمكن أن يساعد في تقليل أوقات الانتظار الطويلة.
  3. مكافحة الفساد داخل القطاع الصحي: تطبيق قوانين صارمة ضد الرشوة والتدويرة سيعيد ثقة المواطنين في النظام الصحي.
  4. تعزيز التمويل الصحي: زيادة ميزانية القطاع الصحي لتحسين البنية التحتية وتوفير المعدات والأدوية اللازمة.

خاتمة: نحو نظام صحي أكثر عدلاً

لقد أصبحت أزمة الصحة في المغرب رمزًا لمعاناة المواطن اليومية. وبينما يستمر النظام الصحي في تحميل المرضى تكاليف باهظة، فإن الوقت قد حان لإعادة التفكير في الأولويات الصحية للبلاد. يجب أن تكون الصحة حقًا لكل مواطن، لا رفاهيةً متاحة فقط للقادرين على تحمل أعبائها. وحدها الإرادة السياسية والتخطيط الاستراتيجي يمكن أن يضعا حدًا لهذه المأساة المستمرة.

زر الذهاب إلى الأعلى